المشاركات

عرض المشاركات من 2020

فكرة تشبه راية بيضاء

  تنتابني فكرة تمزيق جلدي وشق حفرة في الأرض والنوم داخلها. لكن الضيق لا يناسبني وهذه التربة تمقتني على أي حال. أسمع المزارعين يقولون بأني عشبة ضارة وأنهم -في حال دفنت نفسي يوماً- سيقتلعونني من أرضهم، وأود في لحظتها أن أندفع إلى جوف حقولهم وأفسد كل زرعة لعينة يمتلكونها. فقط لاغيظهم! لكنني كبرت على هذا العناد الطفولي وبت متعبة للحد الذي أترك النار تشتعل وتموت بداخلي دون أن أحرك ساكناً أنظر لاوصالي وهي تستحيل إلى رماد لا أفكر في نثره. سأدع كل شيء كما هو.. لن أحاول أن أجد بقعة دافئة أو بيتاً تزوره الشمس. لا أريد لحظة سلام أو قبلة أخيرة أو صوتاً أثيرياً لأم قديمة يخبرني بأنني كنت أكفي. أريد فقط أن اغمض عينيّ وأنام خارج فكرة الوجود. دون أن يراودني هاجس العودة.

مظلة

هناك مظلة، في ركن الغرفة، لا يستعملها أحد، وحيدة هي المظلة، تود لو يصحبها صديق قديم في نزهة لكن لا أحد بالجوار هناك مظلة، والمظلة استعارة والاستعارة بداية لقصة هناك مظلة، تشربت المطر، وصارت، بعد كل هذه السنين التي تحمي أصحابها من البلل، مبللة! كلما فتحت قلبها لأحد، أمطرته بدموعها وانسكب ماضيها دون رغبة منها. وكل هؤلاء الذين حمتهم مرة صاروا يفرون من أمطارها الكثيرة. هناك مظلة، والمظلة فتاة، والفتاة أضحية، قدمها الأولون، على أمل أن تخضر الأرض من تحتهم. هناك فتاة، مدقوقة العنق، تتشرب الأرض دماءها، ويحتفل حول جسدها أهل القرية. هناك أضحية، والضحية دائماً فتاة. لكن الأرض لا تكترث. والشمس التي تصهر جثتها لا تهتم. وأهل القرية الكثر لا يمانعون. وكلما فاضت روح جديدة على وجه المطر، ظن القوم أن الموت ازهر في الأرض بستاناً، وأن كل الفتيات اللاتي رحلن صرن ازهارا. وأن الجريمة مبررة، وكل فتاة نامت على الأرض مرة ابتغت الوفاة. هناك مظلة، زارتها العاصفة، وتمزقت قبل أن ترى الشمس.

البداية عالم

في حياة سابقة..    كان أبي يركع على ركبة واحدة   حاملاً الشمس على ظهره كي تشع على بيتنا   ولا نبرد قط. كنا ندور حوله مبتهلين بذهول   كان شامخاً، وباسماً،ومنيراً.   وكانت أمي يانعة وسعيدة، وكل يد تمدها يملؤها العطاء   متنا عدة مرات بعد ذلك، وتوقف في لحظة ما عن الاكتراث.   سقطت الشمس، ودفنها مع احدى جثثنا الكثيرة. وبتنا لا نعرف للضوء سبيلاً.

الماضي بداية

كانت أمي تقول بأنها لم تكن أمي قبلاً، بأن أمي التي دفعتني في البئر، وأمي التي دفنتني في الباحة الخلفية لسن هي. وبأنها ستحسن لي هذه المرة. ولن أضطر للعودة مرة أخرى. وأقول بأنني أصدقها، وبأنها لن تكون كأمهاتي السابقات.   ولكنني لا أنام. أستلقي كل ليلة بنصل تحت وسادتي. لأن أبي يرتدي بندقية على ذراعه، وأمي تجوع كما تجوع كل ليلة. لأن اخوتي لا يستيقظون في الصباح، ولأن الحقل يكبر كل ليلة. تقول أمي بأنها ستحسن إليّ. لكنني مت عدة مرات بالفعل، بأياد تشبه أياديها، ورائحة أبي المحمومة بالسخط. لذا أقطع أقدامي العالقة بالارض سراً. حتى لا تزرع لي أمي أقداما جديدة. حتى لا انتهي للبئر او الباحة التي صارت حقلاً. يدفع لي اخوتي احذيتهم التي تفوح منها رائحة النهر والليل و التربة المتشربة بالدم. يقولون اهربي الى القرية، فالبيت ضيق، وأمنا التي لا تنفك عن ولادتنا لن تدعك تموتين. اذهبي إلى القرية، وموتي خارج البيت، خارج القفص. خارج العائلة. على سبيل التغيير.

البداية ماضٍ

حينما كنا كباراً، كانت أمي تبحث عنا.   في الأواني، وجيوب الملابس، وعلب الأمنيات. كانت تمتلئ بالغضب حينما تدرك بأننا لم نأتي بعد، وأن طاولة الطعام ستبقى فارغة، وأنها لن تغني لنا حتى ننام. لذا كأي أمٍ تريدُ أن يزورها أطفالها. كانت تخرج. بحثاً عنا كل ليلة، وكل ليلة كانت تعود بواحدٍ منا.   كباراً كنا، قبل أن نُولد.   غرباء حتى اعتدنا رائحة السماد في الباحة الخلفية.   أمي التي لم تكن أمي بعد. دفعتني في البئر.   أمي التي صارت أمي. دفنتني في الباحة الخلفية.   أمي التي تستمر في ولادتي، لا تنفك عن قتلي.

العالم بداية

سنعود إلى البداية ،حينما كانت أمي هي أمي، ولم يصنع الهجران من أبي وحشاً، ولم يلتهم الوحش بيتنا، ولم يمت إخوتي في العراء باردين. سنعود إلى البداية، حينما كانت أمي هي أمي، ولم تقتني مقصلة ترتديها حول عنقها كعقد تهدد بسحبه كلما اشتد عصياننا. سنعود إلى البداية. قبل أن أغرق في البئر، وأسقط بين يديّ أمي جثة تربيها مع بقية أطفالها المدفونين في الحديقة الخلفية. قبل أن ينبت رأس أخي من التربة ويخرج ضاحكاً -باكياً- ليفزع أهل القرية. لأن الساحرات يطاردنه في مناماته السبع خلال الليل. قبل أن تنتف أختي شعرها لتصنع منه ممسحة تمسح فيها البركة الجالسة تحت سريرها، وقبل أن يكتشف أخي الأصغر معنى أن يُقتل بين الأيادي التي صُنعت لتحميه. قبل أن تتسع خارطة العالم ويصبح النفاذ من الزنازن سهلاً. سنعود إلى البداية، حينما كانت أمي هي أمي، وأبي هو أبي، ومنزلنا هو منزلنا، ونحن -الأخوة النابتون في الحديقة الخلفية- لم نولد بعد. . ولا نولد قط.

للمحادثات النائية منا

في أيام كثيرة، أيام لا أستطيع عدها، تغمرني تلك الرغبة الملحة بمحادثتك، تلك التي لم أشعر بشدتها إلا حينما أصبحت محادثاتنا نائية منا، وبات بيننا جب واسع لا نستطيع عبوره. كنت أركض اليك لاخبرك بأنني -للمرة الألف- حرقت يدي أثناء صنعي للبسكويت، وكنتِ لتضحكي علي وتخبريني بأنني مغفلة أنسى عقلي عند باب المطبخ، وسأحلف بأنني كنت حذرة وأن الفرن يكرهني. وكنت لأعود لمحادثتك بعدها بخمس دقائق لتصوير بسكويتي المحترق وكنتِ ستعبرين عن رغبتك بتناوله على أي حال، لأنك -كما أنتِ دائماً- تتضورين جوعاً، حد أنك ستحسنين علي بأكلك للنفاية التي أصنعها. كنت آتي لمحادثتك بالأسباب كيفما اختلفت، ومهما صغرت. كنت أخبرك بحزن شديد كيف كُسر ظفري بينما تضحكين بشماتة لأنك لم تنجحي يوماً في إطالة أظافرك. ولم أكن أجد صعوبة في الأمر. أما الآن، لا أعرف كيف أخبرك بشأن قلبي المكسور، والفتى الذي أحببت، ولا كيف خسرت الوظيفة التي ظللت أكدح فيها ل٣ سنوات. لا أعرف كيف أخبرك بأني أنجبت طفلاً، وأنني حين حملته شعرت بأنني أحمل الدنيا بما فيها بين يدي، وأنني في تلك اللحظة تحديداً كنت سعيدة، سعادة لا تشكيك فيها. سعادة أسررت لك يوماً

حقل عباد الشمس

كنا نخرج لملاقاة الشمس بابتسامة رغم المشارط الدامية بالخزانة كنا نرضى باتجاه الريح كيفما يأخذنا ولم نشتك قط.. حين فقدنا موطننا وخلعت العائلة وجهها الذي يبتسم لنا وبقينا ننمو في الظل لم نبكي حين جُررنا على وجهنا في الطرقات القديمة بأيد مألوفة، ووجوه جديدة. كنا نعود إلى الظل الذي تركنا فيه لنلعق جروحنا، ونمسح الدماء عن وجوهنا، ونشد وجنتينا بخطافيّ صنارة ورثناها من أجدادنا المصنوعين من ملح البحر، وجذوع النخل . نجر الخطافات لنصنع ابتسامة للشمس التي تأبى أن تبتسم الشمس التي نقودها كل يوم إلى بيتنا على أمل أن تحفظه ولا تفعل الشمس التي تعيش في بيوت كثيرة لا تشبه بيوتنا وتعرف كل الطرق التي لا تؤدي إلينا وتلمحنا نبكي كحفنة جراء مبللة في كل مرة تقفي فيها وتبتسم كما يمكن لشمس أن تبتسم لكل وجه لا يشابه وجهنا لذا حين تغادر الشمس ويكبر الظل الذي كنا نسقيه بدموعنا يأتي القمر ويعبر من فجوتي الوجه المشقوق  ويجلس بين الأيادي الكثيرة الممدودة إلى السماء ويقبل الوجنات المبللة ويخبرنا –مرة أخرى- أن نتخلى عن الشمس ونترك النهار ونصيّر أرو