المشاركات

عرض المشاركات من يوليو, ٢٠٢٠

الماضي بداية

كانت أمي تقول بأنها لم تكن أمي قبلاً، بأن أمي التي دفعتني في البئر، وأمي التي دفنتني في الباحة الخلفية لسن هي. وبأنها ستحسن لي هذه المرة. ولن أضطر للعودة مرة أخرى. وأقول بأنني أصدقها، وبأنها لن تكون كأمهاتي السابقات.   ولكنني لا أنام. أستلقي كل ليلة بنصل تحت وسادتي. لأن أبي يرتدي بندقية على ذراعه، وأمي تجوع كما تجوع كل ليلة. لأن اخوتي لا يستيقظون في الصباح، ولأن الحقل يكبر كل ليلة. تقول أمي بأنها ستحسن إليّ. لكنني مت عدة مرات بالفعل، بأياد تشبه أياديها، ورائحة أبي المحمومة بالسخط. لذا أقطع أقدامي العالقة بالارض سراً. حتى لا تزرع لي أمي أقداما جديدة. حتى لا انتهي للبئر او الباحة التي صارت حقلاً. يدفع لي اخوتي احذيتهم التي تفوح منها رائحة النهر والليل و التربة المتشربة بالدم. يقولون اهربي الى القرية، فالبيت ضيق، وأمنا التي لا تنفك عن ولادتنا لن تدعك تموتين. اذهبي إلى القرية، وموتي خارج البيت، خارج القفص. خارج العائلة. على سبيل التغيير.

البداية ماضٍ

حينما كنا كباراً، كانت أمي تبحث عنا.   في الأواني، وجيوب الملابس، وعلب الأمنيات. كانت تمتلئ بالغضب حينما تدرك بأننا لم نأتي بعد، وأن طاولة الطعام ستبقى فارغة، وأنها لن تغني لنا حتى ننام. لذا كأي أمٍ تريدُ أن يزورها أطفالها. كانت تخرج. بحثاً عنا كل ليلة، وكل ليلة كانت تعود بواحدٍ منا.   كباراً كنا، قبل أن نُولد.   غرباء حتى اعتدنا رائحة السماد في الباحة الخلفية.   أمي التي لم تكن أمي بعد. دفعتني في البئر.   أمي التي صارت أمي. دفنتني في الباحة الخلفية.   أمي التي تستمر في ولادتي، لا تنفك عن قتلي.

العالم بداية

سنعود إلى البداية ،حينما كانت أمي هي أمي، ولم يصنع الهجران من أبي وحشاً، ولم يلتهم الوحش بيتنا، ولم يمت إخوتي في العراء باردين. سنعود إلى البداية، حينما كانت أمي هي أمي، ولم تقتني مقصلة ترتديها حول عنقها كعقد تهدد بسحبه كلما اشتد عصياننا. سنعود إلى البداية. قبل أن أغرق في البئر، وأسقط بين يديّ أمي جثة تربيها مع بقية أطفالها المدفونين في الحديقة الخلفية. قبل أن ينبت رأس أخي من التربة ويخرج ضاحكاً -باكياً- ليفزع أهل القرية. لأن الساحرات يطاردنه في مناماته السبع خلال الليل. قبل أن تنتف أختي شعرها لتصنع منه ممسحة تمسح فيها البركة الجالسة تحت سريرها، وقبل أن يكتشف أخي الأصغر معنى أن يُقتل بين الأيادي التي صُنعت لتحميه. قبل أن تتسع خارطة العالم ويصبح النفاذ من الزنازن سهلاً. سنعود إلى البداية، حينما كانت أمي هي أمي، وأبي هو أبي، ومنزلنا هو منزلنا، ونحن -الأخوة النابتون في الحديقة الخلفية- لم نولد بعد. . ولا نولد قط.