القصة الخامسة من أصل خمسة


(روكي) هو كلب من نوع الجيرمن شيبرد، يعيش بالضواحي مع مالكيه (قلوريا) و(ريتشارد) اللذان يمضيان في عقدهما السادس سوياً بلا أطفال يملؤون بيتهما الأزرق بضحكاتهم أو أصوات خطوهم العالية في وجه الحياة، لكن هذا الزوج وجد سلامه مع الفكرة، لأنهما يملكان بعضهما، وهذه الألفة التي تغمرهما، وروكي الذي يعاملونه كفرد من العائلة. فروكي يأكل داخل المنزل معظم اليوم، يركض بالأرجاء، يلعب مع ريتشارد بالخارج في أيام الربيع المنعشة، ويحمي المنزل من الغرباء في الليل. لكن روكي يملك طموحاً مختلفاً، ورؤية بعيدة. لطالما حلم روكي بأن يكون كلباً بوليسياً، يحمي أكثر من مجرد زوج قارب على مشارف المشيب، أراد أن يحصل على التدريب اللائق، أن يذهب مع بقية الكلاب البوليسية و يفتش عن المخدرات أو أثار المجرمين بحواسه المذهلة، أن يكون الأول على أقرانه في العمل ، ويحصل على كل المجد الذي يشتهيه، فهو يؤمن بأن لديه الإمكانيات الكافية لذلك، إنه أكثر من قادر ، فهو بورك بكونه من فصيلة مهيئة لمثل هذا العمل، وهو في ريعان شبابه ، والطريق أمامه مشرعة.. لولا هذا الحبل الذي يقيده. روكي يمقت ريتشارد على ربطه بالقضبان الحديدية التي تمنعه من الفرار. ولو أن بيده أن يمزقها و يركض لفعل، لكن هذا الفلاذ مستحيل الكسر، حتى بقوته المهولة. ولا يستطيع أن يهرب أمام ناظري ريتشارد، لأن هذا سيكسر قلبه، كما أن ريتشارد سيتصل بشرطة الكلاب الذين سيقبضون عليه بلمح البصر. لذا لم يجد روكي الكثير من الحلول أمامه سوى التحين لفرصة سانحة، لكن الفرص قليلة، أو هذا ما كان يردده لنفسه. مرت الأيام و الشهور، و روكي لا يزال يحمل هذه الفكرة في الجزء الخلفي من رأسه، بشكل يدفعه لاستنكار ريتشارد و قلوريا، وكره كل فعل يميلان لفعله من أجله. كان يقذف الطعام من يد قلوريا احياناً إلى الأرض، وينظر اليها و هي تنحني بظهرها الوهن لتلتقط الفتات دون أن يحرك ساكناً، كان روكي مؤمناً بأنهما العقبة في وجه حياته المشرقة، وكل ما أراده هو النفاذ. لذا حصل على ما أراده.. ففي ليلة ظلماء من نوفمبر، بدأت الصواعق بالهطول كما المطر، و اغتسلت الأرض بالماء، واشتعلت السماء بالضياء، واضطربت الاصوات في الكون ، وهبت الريح في الأرجاء، كان روكي جالساً في بيته الخشبي يحاول أن يحتمي من العاصفة، لكن المطر كان غزيراً، والصواعق كانت مرعبة و مخيفة، وكل ما فيه كان يدعوه للركض دون أن ينظر إلى أي اتجاه.. لذا انطلق روكي ناسياً الحبل و الطوق و الفولاذ المستحيل الكسر، ركض بحثاً عن النجاة، فوجد الحبل الحديدي منسدلاً خلفه ، لكنه لم يكترث، كل ما أراده هو الملجأ الآن، وهذا ما حصده، اذ وجد جراجاً مفتوحاً فانزلق اليه ليحتمي من البرد ، بقي هناك حتى هدأت العاصفة و توقف المطر، كانت تلك هي اللحظة التي أدرك فيها روكي بأن القيد كان منحلاً منذ البداية، وأن السبيل إلى أحلامه كان مشرعاً بالفعل. نظر روكي إلى السلسلة الحديدية المرتبطة بطوقه و أخذ يفكر "بإمكاني الهرب الآن، ولن يستطيع ريتشارد إيجادي، بإمكاني الركض الآن ولن يعلم أحد أي اتجاه سلكت." وشعر لحظتها باحساس غريب لم يجد له تفسيراً، كانت ضربات قلبه تزداد، وأطرافه ترتعش، لم يكن متيقناً إذا كان ذلك بسبب البرد أم بسبب هذا الشعور الذي كان يغمره. كان روكي يأخذ خطوة للأمام، وخطوتين للخلف.. بقي على هذا الحال مدة حتى استجمع طاقته و هم بالركض. ركض وركض وركض حتى وجد نفسه أمام بيت أزرق فاقع اللون. نظر إليه للحظة من تردد، ثم تقدم حينما رأى الأضواء منارة، وقلوريا تخرج من المنزل بمظلتها راكضة إلى منزله بقلق. هرع إليها، وأول الأمر بأنه يطمئن ذعرها، بأنهما في حاجة إليه، وأنهما لا يستطيعان فعل أي شيء بدونه.. نعم، هو لا يستطيع الرحيل، ليس الآن.. لكن يوماً ما, يوماً ما سيحقق كل ما يتأمله! قال روكي لنفسه بينما يمضي مع قلوريا داخل المنزل..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما خلف السور الطويل

للفتاة التي تسكن مناماتي..

ما قد تجده في ملازم طالبة مجتهدة