القصة الأولى من أصل خمسة

يقف منتصباً أمام منضدتي بهدوء يحدق بي .. انها أول مرة أراه، ولكنني على نحو غريب أعرفه، كذكرى من حياة سابقة. "حسناً.. أعتقد بأنك تعلمين لما أنا هنا" يقول و هو يمسح باطن حذائه الأسود بالأرض. أرفع نفسي، و أشعر بأنني خفيفة، كالعدم. متى كانت المرة الاخيرة التي شعرت بها بهذا الاحساس؟ هل سبق لي أن شعرت به أصلاً؟ أجيب أخيراً "نعم.. كنت أنتظرك على أي حال." يبتسم بشيء من الأسى ثم يمد يده ليمسح على رأسي. تستنير أنامله بمجرد لمسه لشعري، تغتسل خصل شعري بالذهب، كل شيءيصبح بلورياً وشفافاً ومتألقاً. أشعر كما لو أن دواخلي قلعة ثلجية. أمضي قبله بعدة خطوات، ساقايّ اشتعالتا نور ، الطريق طويل لكنه ثابت الرحلة محسوبة و معروفة الاتجاه. يأتي صوته من البعيد، من الخلف القصيّ ، من التهالك المنطرح على بعضه وسط الفناء "ألا تريدين قول شيءٍ ما قبل أن نذهب؟" أتوقف ، و ألمح في طرفه غرفتي، و الجسد الغائر وسط اللحاف. أتهادى نحوه بثقل، كفعل إلزامي نحبه بطريقة ما. أصل أخيراً، أقف كواهب للظل، كنخلة، و أحدق... في تفاصيل الوجه الغارق في وسنه، في الانف المفطوس الذي لاطالما كرهته، في الجبين الواسع ، و الوجنة المرقعة باثار الحبوب. أبتسم، وكل ما في يأخذه الحنين أسعل، وأبدأ بدفع الكلمات ارتجالاً: " وداعاً، لن نضطر للبكاء في تراكم هذا الوجود مجدداً وداعاً، الانفجارات تودي إلى التغيير بعد كل شيء. وداعاً، قولي لأمي بأنني لن أكون قادرة على إجابة ندائها بعد اليوم وداعاً، لم يتسنى لي قراءة جميع كتبي. وداعاً !" يعم الصمت للحظة تحاول أن تكون وقفة تأمل وابتهال أقطعها بجر خطواتي نحو الأمام، البطء متماسك و لزج، البطء يغطي كل شيء. ألتفت للوراء بينما أسير، و يهيأ لي بأن الفتاة تستيقظ بقميصها الاحمر و تلوح لي من البعيد ابتسم، تبتسم، نتبادل الابتسامات و اختفي شيئاً فشيئاً وسط التشتت الباهت للبياض.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما خلف السور الطويل

للفتاة التي تسكن مناماتي..

ما قد تجده في ملازم طالبة مجتهدة