القصة الرابعة من أصل خمسة

‏لا أعلم ما أصنع .. كل الحقائق مترنحة و غائبة
‏أفكاري تأوي الى حفرة سوداء لا مخرح منها
‏و أنا هنا
‏في جوف ١*٢ م من الخشب المسمر بالبراغي الحديدية
‏منكب على نفسي في محاولة سخيفة للم شتاتي
‏لتمالك ذاتي الفارة من شدة الهلع
‏أرتجف بداخل ملابسي المبللة من فرط الغسيل
‏أنتفض كلما عبر ضوء من حواف الخزانة متجهاً نحو يدي
‏يبدو الأمر كإدانة مستمرة في الانسكاب نحوي كلما شعّ الأحمر القان وسط هذه الحلكة.
‏الأحمر الساطع ، الأحمر المحترق ، الأحمر الكاوي ، الأحمر الذي يطلي يديّ بالجريمة الحقّة ، بالانحدار البشري ، و السلوك الهمجي ، و الانفكاك التام من الزمرة الصالحة.
‏وأشعر -فجأة- بأنني سقطت من السماء
‏كتمثيل لشيطان رجيم ، كتشبيه بعبد عاصٍ ، كانتهاء إلى أرض بائدة.
‏ولا يسعني في جوف هذا الا ان أسترجع الحادثة ، كيف استقر النصل في الصدر ، وكيف غابت النزعة حينما انفرط الدم و انفجر كعين ماء دافق
‏خبت الشهوة و انطفت ، زالت الحاجة الملحة وبقي الندم ، بقي الهلع ، بقيت الجريمة!
‏ذابت الأصوات و زال الوجوب ، وبقيت هذه الدماء ، حمراء و يانعة ، متصبغة على يديّ كبنان يشير نحوي صارخاً "ها هو القاتل!"
‏هذه الدماء لا تفارق يديّ ، هذه الحمرة ملتصقة بي و كأنني اتخذتها جلداً ليديّ
‏غسلتها مراراً ، مسحتها ، نزعت جلدي في محاولة التخلص منها و لكنها ملازمة لي كالنبض بأذن القاتل في قصة ادقار آلين بوي.
‏لقد قتلت رجلاً لا أعرف اسمه ، كل ما أعلمه أن قتله كان أمراً ملحاً و إلزامياً ، وكأن توازن الكون يعتمد عليه.
‏وحين فاض بي الهلع قادتني اقدامي الى هذه الخزانة ،، إلى التشبع برائحة الذنب ،  إلى الدولاب المقابل للجثة ، و كأنني في خضم لعبة غميضة سخيفة.
‏و حينما بدأت الصرخات تتوالى و تعلو ، وجدت أن الوقت المناسب للفرار قد فاتني ، و أنني علقت.
‏و رغم أن ضميري كان يصرخ بي لأخرج ، لأستسلم ، لأندفع و أنهي كل شيء ، الا انني لم أتجاسر على الحركة ، بدى لي و كأن جسدي تصلب في قرفصته ، و ألا حكم لي عليه.
‏بقيت في كنف الظلمة أدعو أن تأتيني كلمات الله التي تنقذني دائماً ، الكلمات التي جرتني إلى هذا الموقف منذ البداية.
‏الكلمات التي تختبئ في تلابيبها حكمة أجهلها.
‏الأصوات التي تناشدني في قمة رعبي ، التي تخطف جزعي و تمسح على رأس وهني.
‏التي اشتعلت و اتقدت للمرة الأولى في سنتي الرابعة من المدرسة الإبتدائية ، و صرخت في لأفر من مقعدي الذي تفتق على رأسه جزء من السقف المحمل بالطوب و الحجارة.
‏و عادت للمرة الثانية لتنذرني بالسيارة المتجهة نحوي تماماً
‏الأصوات التي تعي بمصلحتي أكثر مني.
‏بقيت انتظر حضورها الجليل
‏إلا أنها لم تفعل
‏فبقيت في محلي ، داخل دولاب ملابس بشق يسمح للضوء بالمرور
‏و يدان مغمدتان بالجريمة
‏بانتظار أن يفتح باب الخزانة ليرميني نحو حد السيف الذي سينهي كل شيء كما يجب و كما يفترض ..
‏لكن ذلك لم يحصل !
‏بقيت متقرفصاً في قلب الخزانة لـ٣ أيام
‏دون أن يأخذني نوم أو جوع من المراقبة المستمرة لتوابع الجريمة
‏كان كل شيء مشدوهاً إلى حده و نافراً بطريقة جنونية
كانت الأصوات متغيرة رغم ثبات المشهد..
الصراخ و البكاء، الأسئلة المتطفلة، العار !
كنت أسمع العار، بوضوح وعلو.
رغبتهم بتخبئة الأمر، تساؤلاتهم الصارخة بـ"لماذا؟"
‏محاولاتهم الشحيحة لتبرير الأمر.
‏وأصوات المعزين التي كانت بطريقة غريبة تجد طريقها إلى أذني.
‏بقيت هناك حتى هدأت الأصوات, وغطى الظلام كل شيء, حتى هاتان اليدان المحمرتان.
‏لكنني رغم ذلك لم أخرج.. لن أخرج.
لا أعتقد بأنني قادر على الخروج. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما خلف السور الطويل

للفتاة التي تسكن مناماتي..

ليلة بلا قمر